فصل: قال الجصاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
وساعة تسمع {أنزل} فافهم أنه جاء من جهة العلو أي أن التشريع من أعلى. وقال بعض العلماء: وهل يوجد في صدر رسول الله حرج؟. لننتبه أنه ساعة يأتي أمر من ربنا ويوضح فيه {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}، فالنهي ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما النهي للحرج أو الضيق أن يدخل لرسول الله، وكأنه سبحانه يقول: يا حرج لا تنزل قلب محمد.
لكن بعض العلماء قال: لقد جاء الحق بقوله سبحانه: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ}؛ لأن الحق يعلم أم محمدًا قد يضيق صدره ببشريته، ويحزن؛ لأنهم يقولون عليه ساحر، وكذاب، ومجنون وإذا ما جاء خصمك وقال فيك أوصافًا أنت أعلم منه بعدم وجودها فيك فهو الكاذب؛ لأنك لم تكذب ولم تسحر، وتريد هداية القوم، وقوله سبحانه: {فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ} قد جاء لأمر من اثنين: إما أن يكون الأمر للحرج ألا يسكن صدر رسول الله، وإما أن يكون الأمر للرسول طمأنة له وتسكينا، أي لا تتضايق لأنه أنزل إليك من إله، وهل ينزل الله عليك قرآنًا ليصبح منهج خلقه وصراطًا مستقيمًا لهم، ثم يسلمك إلى سفاهة هؤلاء؟ لا، لا يمكن، فاطمئن تمامًا. {... فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وذكرى لِلْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 2]
والإِنذار لا يكون إلا لمخالف؛ لأن الإِنذار يكون إخبارًا بشر ينتظر من تخاطبه. وهو أيضًا تذكير للمؤمنين مثلما قال من قبل في سورة البقرة: {... هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}
وهنا نلاحظ ان الرسالات تقتضي مُرْسِلًا أعلى وهو الله، ومُرَسَلًا وهو الرسول، ومُرْسَلًا إليه وهم الأمة، والمرسَل إليه إما أن يستمع ويهتدي وإما لا، وجاءت الآية لتقول: {كِتَابٌ أُنزِلَ} من الله وهو المرسِل، و{إليك} لأنك رسول والمرسَل إليهم هم الأمة، إما أن تنذرهم إن خالفوا وإما أن تذكرهم وتهديهم وتعينهم أو تبشرهم إن كانوا مؤمنين. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تَعَالَى: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ}
مَخْرَجُهُ مَخْرَجُ النَّهْيِ وَمَعْنَاهُ نَهْيُ الْمُخَاطَبِ عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْحَرَجِ.
وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْحَرَجِ أَنَّهُ الضِّيقُ، وَذَلِكَ أَصْلُهُ، وَمَعْنَاهُ: فَلَا يَضِقْ صَدْرُك خَوْفًا أَنْ لَا تَقُومَ بِحَقِّهِ، فَإِنَّمَا عَلَيْك الْإِنْذَارُ بِهِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: الْحَرَجُ هُنَا الشَّكُّ، يَعْنِي لَا تَشُكَّ فِي لُزُومِ الْإِنْذَارِ بِهِ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يَضِقْ صَدْرُك بِتَكْذِيبِهِمْ إيَّاكَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَعَلَّك بَاخِعٌ نَفْسَك عَلَى آثَارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا}. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إلَيْك فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْلُهُ: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَجٌ مِنْهُ} نَهْيٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنَّهُ لِنَفْيِ الْحَرَجِ.
وَعَجَبًا لَهُ مَعَ عَمَلٍ يَقَعُ فِي مِثْلِهِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي نَفْيَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ يَنْهَى عَنْ أَشْيَاءَ وَتُوجَدُ، وَيَأْمُرُ بِأَشْيَاءَ فَلَا تُوجَدُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نَهْيٌ عَنْ حَالِهِ؛ قِيلَ لِمُحَمَّدٍ: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِك حَرَجٌ مِنْهُ}، وَأُعِينَ عَلَى امْتِثَالِ النَّهْيِ بِخَلْقِ الْقُدْرَةِ لَهُ عَلَيْهِ؛ كَمَا فَعَلَ بِهِ فِي سَائِرِ التَّكْلِيفَاتِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْحَرَجُ: هُوَ الضِّيقُ.
وَقِيلَ: هُوَ الشَّكُّ.
وَقِيلَ: هُوَ التَّبَرُّمُ؛ وَإِلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ؛ فَإِنْ كَانَ هُوَ الشَّكُّ فَقَدْ أَنَارَ اللَّهُ فُؤَادَهُ بِالْيَقِينِ، وَإِنْ كَانَ التَّبَرُّمُ فَقَدْ حَبَّبَ اللَّهُ إلَيْهِ الدِّينَ، وَإِنْ كَانَ الضِّيقُ فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ قَلْبَهُ بِالْعُلُومِ، وَشَرَحَ صَدْرَهُ بِالْمَعَارِفِ، وَذَلِكَ مِمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ عُلُومِ الْقُرْآنِ، وَخَفَّفَ عَلَيْهِ ثِقَلَ الْعِبَادَةِ حَتَّى جُعِلَتْ قُرَّةَ عَيْنِهِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ يَقُولُ: «أَرِحْنَا بِهَا يَا بِلَالٌ».
وَمِنْ تَمَامِ النِّيَّةِ فِي الْعِبَادَةِ النَّشَاطُ إلَيْهَا وَالْخِفَّةُ إلَى فِعْلِهَا، وَخُصُوصًا الصُّبْحَ وَالْعِشَاءَ؛ فَهُمَا أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ حَسْبَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَذَكَرَ مِنْ حَدِيثِ: أَنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ».
وَلَيْسَ يَخْلُو أَحَدٌ عَنْ وُجُودِ الثِّقَلِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ تَكْلِيفًا، بَيْدَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَحْتَمِلُهُ وَيَخْرُجُ بِالْفِعْلِ عَنْهُ، وَالْمُنَافِقُ يُسْقِطُهُ.
فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: فَالْعَاصِي إذَا أَسْقَطَهُ أَمُنَافِقٌ هُوَ؟ قُلْنَا: لَا، وَلَكِنَّهُ فَاعِلٌ فِعْلَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: «مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ» أَيْ فَعَلَ فِعْلَ الْكُفَّارِ فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ. اهـ.

.التفسير المأثور:

{كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}
أخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عباس {فلا يكن في صدرك حرج منه} قال: الشك. وقال لأعرابي: ما الحرج فيكم؟ قال: الشك اللنهس.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس {فلا يكن في صدرك حرج منه} قال: شك.
وأخرج أبو الشيخ عن الضحاك {فلا يكن في صدرك حرج منه} قال: ضيق.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم} أي هذا القرآن. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {كِتَابٌ}: يجوز أن يكون خبرًا عن الأحْرُف قَبْلَهُ، وأن يكون خبرًا للمبتدأ مُضْمِرٍ، أي: هو كتابٌ، كذا قدَّرهُ الزَّمَخْشَرِيُّ.
ويجوز أن يكون كتابٌ مبتدأ و{أنْزِلَ} صفتُهُ و{فَلاَ تَكُنْ} خبره، والفاءُ زائدةٌ على رأي الأخْفَشَ أي: كتابٌ موصوفٌ بالإنزالِ إليكَ، لا يكنْ في صدرك حرجٌ منهُ، وهو بعيدٌ جدًّا.
والقائمُ مقام الفاعل في {أنْزِلَ} ضميرٌ عائد على الكتابِ، ولا يجوز أن يكون الجارَّ؛ لئلا تخلو الصفةُ من عائدٍ.
والمرادُ بالكتابِ القرآن الكريم.
قوله: {مِنْهُ} متعلق بـ {حَرَجٌ}.
و{مِنْ} سببيَّةٌ أي حرج بسببه تقول: حَرِجْتُ منه أي: ضقْتُ بسببه، ويجوز أن يتعلَّقَ بمحذوف على أنَّهُ صفةٌ له أي: حَرَجٌ كَائِنٌ وصادر منه، والضَّمِيرُ في {مِنْهُ} يجوز ن يعود على الكِتابِ وهو الظَّاهِرُ، ويجوزُ أن يعود على الإنزالِ المدلول عليه بـ {أُنْزِلَ}، أو عَلى الإنذارِ، أو على التَّبْليغِ المدلُولِ عليهما بسياق الكلامِ، أو على التَّكْذِيبِ الَّذِي تضمنه المعنى، والنهي في الصُّورةِ للحَرَج، والمرادُ الصَّأدِرُ منه مبالغةً في النَّهْيِ عن ذلك كأنَّهُ قيل: لا تتعاطى أسبابًا ينشأ عنها حرج، وهو من باب لا أرَيَنَّكَ هاهنا، النهي متوجه على المتكلم والمراد به المخاطب كأنه قال: لا تكن بحضرتي فأراك ومثله: {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا} [طه: 16].
قوله: {لتُنْذِرَ بِهِ} في متعلق هذا اللاَّم ثلاثة أوجه:
أحده: أنَّها متعلِّقة بـ {أنْزلَ} أي: أنْزِلَ إليك للإنذار، وهذا قول الفرَّاء قال: اللاَّم في {لِتُنْذِرَ} منظومٌ بقوله: {أُنْزِلَ} على التَّقْديمِ والتَّأخِير، على تقدير: كتاب {أُنْزِلَ إليك لِتُنْذِرَ بِهِ فلا يَكُنْ}.
وتبعه الزَّمَخْشَرِيُّ والحُوفِيُّ، وأبُو البقاءِ على ذلك، وعلى هذا تَكُونُ جُمْلَةُ النَّهْي معترِضَةً بَيْنَ العِلَّة ومعلولها، وهو الذي عناه الفرَّاءُ بقوله: على التَّقْدِيم والتَّأخير.
والثاني: أنَّ اللامَ متعلِّقةٌ بما تعلَّقَ به خَبَرُ الكَوْنِ إذ التقدير: فلا يكن حَرَجٌ مستقرًا في صَدْرِكَ لأجْلِ الإنْذَارِ.
كذا قاله أبو حيَّان عن الأنْبَارِيِّ، فإنَّهُ قال: وقال ابْنُ الأنْبَارِيّ: التقدير: فلا يكن في صدرك حرجٌ منه كي تُنْذِرَ بِهِ فجعله متعلقًا بما تعلَّق به {في صَدْرِكَ}، وكذا علَّقه به صاحبُ النَّظْمِ، فعلى هذا لا تكون الحملة معترضة.
قال شهابُ الدِّين: الذي نقله الواحديُّ عن نصِّ ابْنِ الأنباريِّ في ذلك أن اللاَّمَ متعلِّقةٌ بالكون، وعن صاحب النَّظْمِ أنَّ اللاَّمَ بمعنى أنْ وسنأتي بنصَّيْهما إن شاء الله تعالى، فيجوز أن يكون لهما كلامان.
الثالث: أنَّها متعلِّقةٌ بنفس الكَوْنِ، وهو مَذْهَبُ ابن الأنْبَارِيِّ والزَّمَخْشَرِيِّ، وصاحب النَّظْمِ على ما نقله أبُو حيَّان.
قال أبُو بَكْرِ بْن الأنْبَارِيِّ: ويجوزُ أن تكون اللاَّمُ صلةً للكون على معنى: {فلا يَكُن في صَدْرِكَ شيء لتنذر}، كما يقول الرجُلُ للرَّجُل لا تكن ظالمًا لتقضي صاحبك دينه فتحمل لام كي على الكون.
وقال الزَّمَخْشَريُّ: فإن قُلْتَ: بِمَ تعلَّق به {لِتُنْذِرُ}؟ قُلْتُ: بـ {أُنزل} أي: أنزل لإنذارك به، أو بالنَّهي؛ لأنه إذا لم يخفهم أنذرهم، وكذا إذا علم أنَّهُ من عند الله شجعه اليقين على الإنْذَارِ.
قال أبُو حيَّان: فقوله: بالنَّهْي. ظاهره أنَّهُ يتعلَّقُ بفعل النهي فيكونُ متعلقًا بقوله: {فَلاَ يَكُنْ}، وكان في تعليق المجرور والعمل في الظَّرْفِ فيه خلاف، وَمَبْنَاهُ على أنَّ كان النَّاقِصَة هل تدل على حدثٍ أم لا؟
فمن قال: إنَّهَا تدلُّ على الحدثِ جوَّزَ ذلك، ومن قال: لا تَدُلُّ عليه منعه.
قال شهابُ الدِّين: الزَّمَخْشَرِيُّ مسبوق إلى هذا الوجه، بل ليس في عبارته ما يدلُّ على أنَّهُ متعلق بيَكُونُ بل قال بالنَّهْي فقد يريدُ بما تضمَّنه من المعنى، وعلى تقدير ذلك فالصَّحيحُ أنَّ الأفعالَ النَّاقِصَةَ كلَّهَا لها دلالةٌ على الحدثِ إلاَّ لَيْسَ، وقد أقمت على ذلك أدلَّةً وأتيتُ من أقوالِ النَّاسِ بما يَشْهَدُ لصحَّةِ ذلك كقولِ سيبويه، وغيره في غير هذا المَوْضُوعِ.
وقال صاحبُ النَّظْم: وفيه وجهٌ آخرُ، وهو أن تكون اللاَّمُ بمعنى أنْ والمعنى: لا يضيقُ صَدْرُكَ ولا يَضْعُفْ [عن] أن تُنْذِرَ به، والعربُ تضعُ هذه اللام في موضع أنْ كقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ الله} [التوبة: 32] وفي موضع آخر: {لِيُطْفِئُواْ} [الصف: 8] فهما بمعنى واحد.
قال شهابُ الدِّين: هذا قولٌ ساقطٌ جدًّا، كيف يكون حرفُ مختص بالأفعال يقع موضع آخر مختص بالسماء؟
قوله: {وَذِكْرَى} يجوزُ أن يكون في محلِّ رَفْعٍ، أو نَصْبٍ، أو جَرٍّ.
فالرَّفْعُ من وجهين، أحدهما: أنها عطف على {كِتَابٌ} أي: كتابٌ وذكرى أي: تَذْكِيرٌ، فهي اسم مَصْدَرٍ وهذا قول الفرَّاءِ.
والثاني من وجهي الرَّفْع: أنَّهَا خبر مُبتدأ مُضْمرٍ أي: هو ذكرى، وهذا قولُ الزَّجَّاج.
والنَّصْبُ من ثلاثة أوْجُهٍ:
أحدها: أنَّهُ منصوبٌ على المصدر بفعل من لَفْظِهِ تَقْديرُهُ: وتذكر ذكرى أي تَذْكِيرًا.
الثاني: أنها في محلِّ نَصْبٍ نَسَقًا على مَوْضِع {لِتُنْذِرَ} فإن موضعه نصب، فيكونُ إذْ ذاكَ معطُوفًا على المَعْنَى، وهذا كما تعطفُ الحال الصريحة على الحالِ المؤوَّلة كقوله تعالى: {دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا} [يونس: 12]، ويكونُ حينئذٍ مفعولًا من أجْلِهِ كما نقُولُ: جِئْتُكَ لِتُكْرمَنِي وإحْسَانًا إليَّ.
الثالث: قال أبُو البقاء:- وبه بَدَأ-: إنَّها حال من الضمير في {أنزل} وما بينهما مُعْتَرِضٌ.
وهذا سَهْوٌ فإنَّ الواو مانعة من ذلك، وكيف تَدْخُلُ الواوُ على حالٍ صريحةٍ؟ والجرُّ من وجهين أيضًا.
أحدهما: العطفُ على المَصْدَرِ المُنْسَبِك من أنْ المقدَّرة بعد لام كي، والفعل، والتَّقديرُ: للإنْذَارِ والتَّذْكِيرِ.
والثاني: العطفُ على الضَّميرِ في {بِهِ}، وهذا قول الكُوفيِّين، والذي حسَّنَهُ كون {ذِكْرَى} في تقدير حرفٍ مصدريٍّ- وهو أنْ- والفعل لو صرح بأنْ لحسُنَ معها حذفُ حرفِ الجرِّ، فهو أحْسَنُ من مررتُ بِكَ وَزَيْدٍ إذ التَّقْديرُ: لأن تنذر به وبأن تُذَكِّر.
وقوله: {لِلمُؤمِنِيْنَ} يجوز أن تكون اللاَّمُ مزيدةً في المفعولِ به تقويةً له؛ لأنَّ العاملَ فَرْعٌ، والتقديرُ: وتذكِّرَ المُؤمنينَ.
ويجوزُ أنْ يتعلَّقَ بمحذُوفٍ؛ لأنَّهُ صِفَةٌ لـ {ذِكْرَى}. اهـ. باختصار.